من: ليلى السعيد
إلى: زياد بن محمد
الموضوع: طلب توضيح
عزيزي زياد،
أتمنى أن تكون بخير. لدي سؤال مباشر وصريح. سمعتُ أنك لا تزال على اتصال بنور الترابي، رغم دعمها للنظام البائد وثبوت تلاعُبها بشهادات الناجين.
البعض يفكر في مغادرة حملتك الانتخابية بسبب ذلك. هل تعتقد أن بإمكانك بناء مشروع عادل وذي مصداقية وأنت تعمل مع أشخاص مثل نور؟
أرجو ألا أكون تطفّلتُ عليك.
مع احترامي،
ليلى
من: زياد بن محمد
إلى: ليلى السعيد
الموضوع: رد: طلب توضيح
عزيزتي ليلى،
شكراً جزيلاً على ثقتك. جوابي أيضاً مباشر وصريح.
أخلاقيات السياسة ليست أخلاقيات الصداقة. من السهل في الحياة الخاصة أن نكون مُتّسقين مع أنفسنا: نقاطع شخصاً هنا، ونُحرِّض على عزل شخص هناك، ثم نشعر بالأمان والأمانة. لكن في الحياة العامة قلّما تنسجم خياراتنا مع جداول التصنيف المعتادة.
لا أفكر في نور من زاوية أخلاقية. أفكر من زاوية استراتيجية، وكثيراً ما أشعر – وهذه بيننا – أن غير الاستراتيجيين غير أخلاقيين. نحن نسعى إلى تقوية الحزب وتجنيد المتعلمين في المحافظات الفقيرة وتحريك الزخم الاقتصادي في الشتات، وهذا يتطلب تركيزاً تاماً. نور لديها شبكات، ولديها نفوذ، ولديها فريق ذو مهارات مميزة. لو كنتُ قاضياً في محكمة، كنتُ سأدعمك في رفع دعوى عليها. لكن ليس لدي قاعة ولا محكمة. لدي طاولة مؤتمر عمّا قريب، وخمس مقابلات تلفزيونية، وثلاث مؤسّسات ونصف بحاجة الكثير من البناء.
أَجُودُ بالموجود.
من: ليلى السعيد
إلى: زياد بن محمد
الموضوع: رد: طلب توضيح
لكن يا زياد، أنا آسفة ولكن أليس هذا هو منطق القوة من أجل القوة؟ نور لم ترتكب «أخطاء» حتى نغضَّ النظر عنها. هي أهانت الناجين على الهواء مباشرةً. ألا تهمّكَ المُساءلة؟
من: زياد بن محمد
إلى: ليلى السعيد
الموضوع: رد: طلب توضيح
بالطبع تهمّني. لكني أعتقد أن المُساءلة تتعلق بالبنية السياسية لا بالمشاعر.
ملاحقةُ مشاعرنا تمنحنا مكاسب أخلاقية لأول وهلة، لكنها تعزلنا عن المواقع المؤثّرة مع الوقت. كاليساريين الذين يبدؤون من فقر الفقراء ويستنتجون أن هناك من يسرق ويستغلّ، بدل أن يبدأوا من ثروة الأثرياء ويبحثوا في أشكال إنتاجها. الأمر لا يتعلق بأشخاص فاسدين بل بطبيعة النظام الذي يَقبلُهُم ويُشجّعهم. الرأسمالية تعني وجود فوائض أرباح، وهذه الأرباح قد تكون مشروعة أو غير مشروعة. المطلوب تطوير تشريعات عادلة وفعّالة، وليس ملاحقة الشركات شركةً شركة.
الأمر نفسه في السياسة. ليس السؤال: من هم الضحايا أو من هم النظيفون؟ بل: من يمتلك الأدوات وكيف؟ من يتحرّك نحو ماذا؟ من يستمع لمن؟ من يشتغل بدأب وما الذي يُلهمه؟ من يمتلك علاقات واسعة؟ وهكذا. والأهم من كل ما سبق: كيف نفهم ذلك ونشكّله بما يخدم مصالحنا؟ أي باختصار من نحن الآن وما مصالحنا الآن؟
تريدين نظاماً طيّباً وخيّراً؟ ستحتاجين إلى الكثير من السفلة والأشرار.
هكذا يبدأ حكم القانون: من توبة تدريجية بين العُصاة.
من: ليلى السعيد
إلى: زياد بن محمد
الموضوع: رد: طلب توضيح
عن أي توبة تتحدث يا زياد؟ نور لم تُعبِّر عن أي ندم على تصريحاتها!
من: زياد بن محمد
إلى: ليلى السعيد
الموضوع: رد: طلب توضيح
أعلم أنها لم تُعبِّر. بل وأعلم أنها لا تُفكِّر في الندم. هذا بينها وبين الله. السؤال لك عزيزتي: هل تريدين تغيير أحوال البلاد أم فرض رقابة على ملائكة العذاب يوم القيامة؟
لا أتحدث عن توبة فرد بل عن مناخ يستدرج توبات جماعية. كثيرون يستقصون ضمائرَ الآخرين، وقناعتي أنهم لن ينجحوا. مُطاردة العدالة بهذه الطريقة مصيرها الشلل التام. سيشتغلون حصراً مع ضحايا شديدي الوضوح، أو سينتظرون نظاماً قانونياً خالياً من الشوائب، أو سيتخصّصون في التشهير العلني، ولا شيء بعد ذلك. هذا يعني مشاجرات لا تنتهي، ناهيك بالإرهاق والنفور. لا أعرف إن كنت تعتبرين هذه سياسة. أنا أعتبرها انفعالات طائشة.
تريدين إدانة قاطعة لكل تجاوز وفضيحة؟ سيأكلك ضميرك الحيّ وأنتِ على قيد الحياة (ثم لا تتوهّمي أنك ستنجحين! فأنت لن تتابعي إلا دائرتك الشخصية وما تقع عليه عيناك من معلومات، بلا بنية موضوعية راسخة ولا دائرة كُبرى لمساءلة الجميع).
البديل الذي أتبنّاه هو أخذ المعلومات الخام تلك ورفض اعتبارها علماً ناجزاً، واستعمالها لبناء دائرة ثقة صغيرة ودوائر أخرى أوسع حسب الحاجة، مع الدعاء والاستعاذة بالله دوماً من أن أَضِلّ أو أُضَلّ أو أَزِلّ أو أُزَلّ. وبعدها أفعل ما يجب فعله ضمن دائرة سيطرتي أنا.
قد لا يكون هذا مُرضياً، ولكنه يُفسِح مجالاً للعمل.
من: ليلى السعيد
إلى: زياد بن محمد
الموضوع: رد: طلب توضيح
تبدو لي واقعيّتك المفرطة استسلاماً مقنّعاً. ولو! أين خطوطك الحمر؟ أليس لديك بوصلة؟
من: زياد بن محمد
إلى: ليلى السعيد
الموضوع: رد: طلب توضيح
بوصلتي هي العواقب.
اسمعي. أنا مثلك أحب المُثُل العليا وأحب السعي نحوها، لكني لا أعتبر السعي طريقاً مستقيماً.
ليس في عالم السياسة قدّيسون وشياطين، بل فيه أشخاص ومصالح وحسابات وترتيبات وممارسات. ولا فيه كلمات مثل ينبغي، يجب، لا يجوز، غير مقبول، مؤسف… بل: يحدث، يمكن، مُحتمَل، مفيد، لعلّه… من ينشغلون بالـ«ينبغيات» لن يصلوا إلى أي مكان. كل ما يحدث يمكن أن يحدث: هذا هو المبدأ الوحيد في السياسة.
وأزيدك من الشعر بيتاً: أخطر السياسيين على الإطلاق هم الذين يزعمون أنهم صوت الحق الساطع، ويقولون إن الحق يجب أن ينتصر لأن الحق هو الذي سينتصر. طيب، ثم ماذا؟ هل ستُخجِّلُ الأشرارَ وتفضحهم حتى ينقرضوا عن آخرهم يا سوبرمان الزمان؟ هل ستطردهم من ذهنك ومحيطك فقط أم من المجال العام كله؟ كيف!؟ بالإيمان الراسخ؟ بالأصدقاء الأنقياء؟ بالهاشتاغات؟
حظاً طيباً!
من: ليلى السعيد
إلى: زياد بن محمد
الموضوع: رد: طلب توضيح
يبدو لي كلامك مستنقعاً، لكن أعترفُ أني بحاجة للتفكير فيه أكثر. واضحٌ أنك فكرت كثيراً وطويلاً في الأمر.
لا أريد الإثقال عليك، ولكنك جعلتني في حيرة من أمري. لا أعرف ماذا على أمثالي أن يفعلوا. ماذا لو كنا لا نملك القوة ولكن لا نريد أن نلعب هذه اللعبة القذرة؟
من: زياد بن محمد
إلى: ليلى السعيد
الموضوع: رد: طلب توضيح
المكر والعمل البطيء.
إذا كان لديك الصبر لاختيار المعارك المناسبة، ضد الأشخاص المناسبين، في الوقت المناسب، سيكون ذلك رائعاً. المجد هو الانتصار في عدد كبير من المعارك الصغيرة المُحضَّر لها جيداً. أما المعركة الكبرى أو الانتصار المُرتجَل فمنحة إلهية يجب دوماً استبعادها من الحسابات.
ثم لا تتوقعي أن تكون سياساتك مرآة ما في قلبك. المجال العام لا تصنعه الأخلاقيات والجماليات. تصنعه أقدار الله وذئاب البشر.
ونعم، أحياناً يصنعه أمثالنا إذا صمدنا لفترة كافية وكانت الظروف مواتية. وقتها نكون نحن أقدارَ الله.
مع المودة،
زياد