لا أحب خلط السياسة بالتحليل النفسي عموماً، لكن رُهاب الإسلام مفهوم شائع وصار يصعب تفاديه، وهو ليس تهمة عندي ولا من مُسقِطات المروءة. فأنا أفرّق بين:
الرُّهاب العفوي
والتعصُّب المباشر المؤذي،
ثم العنصرية المُمَأسَسة ضمن قوانين،
ورابعاً - والأهم - الحقد أو «اللّهَبيّة» (من أبو لهب)، وهذا هو المصطلح الذي أتبنّاه لوصف الكراهية الجامحة للمسلمين وتمنّي الشرّ والهوان لهم.
والرُّهاب عكس اللَّهَبيّة معظم الأحيان. وهو إن كان مشكلة نفسية فيلزمه أقصى درجات الرحمة والمعذرة، وإن كان شعوراً بالقلق والخوف من جموع المسلمين فأيضاً يمكن فهمه والرأفة بأصحابه. رُهاب الإسلام شعور شائع للغاية بين «الأغيار» من فاسقين وكفّار، العوام منهم والنخب، في بلادنا وفي غيرها، أكثر بكثير مما نعرف أو نعترف. ولذلك أسباب كثيرة منها أن فكرنا الإسلامي قائم بمعظمه على تبرئة النفس والاستنفار ضد الخصوم بالحق وبالباطل.
إن معظم الكره ألم، ومعظم الخوف جهل، ومعظم الرفض أسئلة. ليس جميع الأغيار لَهَبيّين أو مؤذين أو متعصّبين، وآخر همّي مطاردة مشاعر الخوف لديهم والتفتيش في مدى سماحتهم معي واتّساع قلوبهم لي. خلافي مع الأغيار سياسي لا عاطفي، وبالعكس لا تكون السياسة إلا بكسب القلوب بالحِلم واللين والدهاء. وأضعف الإيمان لمن يريد الحكم أن يطلب النقد ويتقبّله برحابة صدر، وأن يفتح أوسع الأبواب الممكنة للتقاطع مع الخصوم، وأن يمدّ حبال النقاش معهم عسى يفتح الله بينه وبينهم.
لا يجوز استسلاح مفهوم الإسلاموفوبيا لإسكات كل منتقد، ولا التشكّي النرجسي والصراخ على من يرفضوننا وكأنهم لَهَبيّون أزليّون. لا بدّ أن ننفض الجاهلية عن أبصارنا وأفئدتنا ونتشجّع على رؤية عيوبنا ولجم سفهائنا، وإلا نحن مسؤولون عن إخافة الآخرين وتنفيرهم. ثم إن من الأغيار من يحاولون، لشدة لهفتهم ورأفتهم، تبرير أو «شرح الأسباب» التي تجعلنا كائنات مخيفة أو منفّرة أو عاطلة عن الحضارة، وهذا لطيف ولكنه ليس واجباً على الجميع أولاً، وهو مبالغة مؤذية لنا ثانياً: تبرّر عنا ما لا يقبل التبرير، وتعزّز فينا الرّضا عن النفس الذي هو أصل كل غفلة ومعصية وشهوة، وتمنح اللَّهَبيّين حججاً يستدلّون بها على شرّنا وفسادنا. والحقيقة أننا متخلّفون تخلُّفاً مؤسفاً، ولا كميات من الشروح ستحجب ذلك أو تُبرّئنا أمام الله الذي يعرف حالنا ويرى تقصيرنا. ولذلك فإن الإسلاموفوبيا العاطفية (خوف الأغيار منا) والإسلاموفوبيا الفكرية (تحيُّزهم المنهجي ضدنا) ليست ظلماً يقع علينا فحسب، بل أيضاً فشل اجتماعي ومعرفي علينا تحمُّل مسؤوليته والاستجابة له بالتي هي أحسن.
رُهاب المسلمين شيء، وهو يتطلّب قلباً رحيماً وواسعاً، وإيذاؤهم شيء آخر، ويتطلّب ردعاً سريعاً وحاسماً، ونقدهم شيء ثالث، يتطلّب عقلاً متيناً وواثقاً، والتمييز الحكومي ضدهم رابع، يتطلّب عزماً سياسياً نبيهاً ومتفاعلاً، واللَّهَبيّة خامس يتطلّب… إحم…