• لماذا تهاوت إيران أمام الاختراق الإسرائيلي؟

    هناك فرق بعشرات السنوات بين إسرائيل وكل جيرانها من حيث التقدُّم العلمي والتقني، وهذا يشمل البحث والتطوير في علوم الإدارة والاتصالات والاختراق والهندسة والحوسبة وحرب المعلومات وتحليل البيانات. وهذه أفتك من الأسلحة التقليدية المعروفة لمن أجاد توظيفها.

    ولا يجب أن نستهين بالفقر فهو نذير ضعف الدولة وأهم أسباب انكشافها، ولكن فقط إذا ترافق مع تفكُّكها السياسي العقائدي. فمعروف أن إيران أكثر الدول الإسلامية تصديراً للملاحدة الكارهين للإسلام، أي إن المذهب الإمامي الذي شدّ البلاد إلى بعضها لأربعمئة سنة آخذ في التداعي بعد بلوغه ذروة انتصاره التاريخي عام 1979. ومن ملامح التفكُّك أيضاً تراجع وقْع الجعجعة اليسارية وأهازيج هجاء الإمبريالية، والفشل في بناء فعل إمبراطوري فارسي يستحق هذا الوصف. إذ لم تستثمر طهران إلا في دهماء الشعوب والبؤساء من الدُّعاة والمقاتلين، وذلك على حساب الرأسمال البشري العالي الجودة الذي تبحث عنه الدول الطموحة وتدفع ثمنه غالياً. ليس الفقر حالة اقتصادية فحسب بل روحية ونفسية وفكرية. المنظومة كلها مترهّلة، وهذا يسهّل تجنيد العملاء.

    ثم أضف الانهيار المعنوي المريع الذي شعر به أنصار الجمهورية الإسلامية وهم يشاهدون حزب الله، مشروعهم اللبناني الفخور، يتهاوى كبيت من ورق.

    وأضف أيضاً وجود أجنحة داخل الدولة الإيرانية تبلورت بعد اغتيال سليماني في 2020، وهي تنتظر وفاة المرشد العجوز قريباً وتعمل على مغالبة الحرس الثوري ومنعه من تنصيب مرشده المفضَّل، وصولاً إلى سحب صلاحياته الأمنية والاستراتيجية أو تصفيته بشكل تام.

    لكن كل الفقر والتفكّك والحرب النفسية وصراع الأجنحة في كفّة، والتخلّف العلمي والتقني في زمن خلق الروبوتات وسحب المعلومات واتخاذ القرارات بسرعة الضوء في كفّة أخرى. عدد سكان إسرائيل ليس 5 مليون بل 500 مليون بوجود القدرة الصناعية المعولمة والمتصلة بمختلف خطوط التجارة، فيما كثرة المسلمين غُثاء لا وزن له من دون ذلك.

    لا يمكن لجيش عقائدي اليوم أن يتفوّق على دولة مدجّجة بالصناعات المعقدة والشركات الذكية وأحدث تقنيات الإدارة. هذه مغناطيس عملاء ودوّامة فوضى لكل من تنوي محاربته.

    لا مجال لنصرة الفلسطينيين أو اللبنانيين أو السوريين قبل نهضة صناعية وتجارية شاملة.

    الجهاد الحقيقي هو النهضة الصناعية والتجارية.

    التنوير الحقيقي هو النهضة الصناعية والتجارية.

    الديمقراطية الحقيقية هي النهضة الصناعية والتجارية.

    كل مقاومة دون ذلك ستتهاوى كبيت من ورق.